معنى قول العارفين الطرائق بعدد أنفاس الخلائق

ما بينه الإمام السيد الهمام مصطفى البكري في رسالته التي تسمى (بالكأس الرايق) أن إختلاف الطرائق ينشأ عن إختلاف الأذواق، وإختلاف الأذواق ينشأ عن تباين الأشواق، وتباينها ينشأ عن تنوع الأستعداد لقبول الفيض، والإمداد، وتنوع الإستعداد لتنوع التجليات والامداد الربانية التي ترد على العبد في كل نفس من أنفاسه، ولذلك قال بعض العارفين: من صدق مع الله في النفس الأول، وصل إليه في النفس الثاني، وبهذا تعلم صحه قول بعض الأكابر الطرائق بعدد أنفاس الخلائق . وقول من قال: للعارف مع كل نفس معراج ، فمدد الحق سبحانه وتعالى وارد مع كل نفس لكن لا يدركه إلا المراقب فمن تلقاه بأدب وأخذه بإفتقار ربما أورثه جذبة توازي عمل الثقلين .
قال الجنيد البغدادي قدس الله سره من أقبل على الله ثلاثين أو سبعين عاما وأدبر عنه نفسا واحداً كان ما فاته أكثر مما حصله ومعنى هذه العبارة أن الأمداد الإلهية واردة مع الأنفاس كما مر ففي كل نفس مدد جديد، فالنفس الأول فيه مدد واحد، والنفس الثاني مددان المدد الجديد ومدد النفس الأول، ويصحب الثالث ثلاثة وهلم جرا، فإذا أدبر العبد عن مولاه نفسا واحدا كان ما فاته أكثر مما ناله، لأنه فاته مدد النفس الجديد ومدد سائر الأنفاس السالفة، والمدد الإلهي الوارد مع كل نفس إذا ورد على القلب فوجده متأهباً له دخل فيه وأكسبه ما أودع الحق فيه، وإن ورده ولم يجد محلا قابلاً، رجع من حيث جاء وللحضرة التي ظهر منها عاد ، وهكذا سائر الموارد لا تؤم إلا الراغب الوارد، فإذا وردت نتائج الأعمال والأنفاس على الغافل الذي شغله الخناس ولم تر نظره طامحاً إليها صرفت وجهها عنه حيث لم تره مقبلاً عليها، فمتى كان العبد غافلا عن تلقي هذه الإمدادات والثمرات، رجعت للبطون بعد الظهور، فيحرم بذالك بركة الوقت وثمرة الأعمال الوارده من حضرة الحق، واما المتعرض للنفحات الربانية فلا تتخطاه الإمدادت الإحسانية، فإذا راقب المريد أنفاسه وأحكم فيها أساسه رأى مع كل نفس هديه، فإذا أخذها بالقبول أدنته منازل الوصول فيذوق لذة الترقى وهزة التلقى، فاتضح بهذا قول بعض العارفين الطرائق بعدد أنفاس الخلائق،
 نقلا من كتاب هداية الراغبين في السير والسلوك إلى ملك الملوك رب العالمين في علم التصوف للإمام عبد الحافظ بن على أنزل الله عليه سحائب الرحمة والرضوان وأسكنه فسيح الجنان بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم آمين  

تم عمل هذا الموقع بواسطة