واعلم أن المراد من سلوك  طريق التصوف ترقى النفس شيئا فشيئا إلى المقام الأكمل بالعلاجات والأدوية التى وضعها سيد الكاملين وروح المرشدين وهى الصيام والقيام وقلة الكلام والشفقة على الأنام والذكر والفكر وأكل الحلال وترك الحرام وغيرذلك مما يأتى من غير خروج عن دائرة الشرع ولامقدارذرة . لأن كل من تداوى بغير دواء الشرع لايشفى مرضه بل يزداد . مثلاً : إذاكانت النفس أمارة بالسوء فداؤها الذى تترقى به إلى المقام الثانى لا إله إلا الله مع المداومة عليها ليلا ونهارا وتكون بالجهر والشدة لتنبيه الأعضاء الغافلة فإن ترقت للمقام الثانى فداؤها الذى تترقى به للمقام الثالث : تقليل الطعام والمنام والذكر بلفظ الله الله مع الإكثار وهكذا إلى أن تصل إلى الصورة الآدمية التى كانت قبلة للملائكة وهذا أعلى المقامات لأنه رتبة الصديقية التى لاينالها العبد إلا بعد دخوله فى مقام الإحسان وهو أن تعبد الله كأنك تراه . ورتبة الصديقية فى نفسها مراتب متفاوتة بعضها أعلى من بعض وأعلاها رتبة أبى بكر الصديق ولايعلو مقام الصديقية إلامقام النبوة فصاحب مقام الصديقية لو تخطاها لترقى لمقام النبوة إلا أن النبوة قد ختمت بنبينا والصديقية لم تختم فمقام الصديقية مقام الولاية الكبرى والخلافة العظمى وهذاالمقام تتزايد فيه الفتوحات وتعظم التجليات وتتم المشاهدات والكشوفات لكمال النفس وحسن صفائها ولايمكن الوصل إليه إلا بعد الفناء وهوزوال صفات النفس المذمومة بالكلية حتى لاتصير ملتفة إلى شئ منها بل تزهدها كما تزهد أكل الجيفة. وصفاتها المذمومة هى الحسد والحقد وحب الجاه والصيت والمحمدة والرياسة والشهوات والكبر والرياء والعجب والنفاق والغرور والكذب والغيبة والنميمة والفخر والتزين للخلق وبغض أحد منهم لأمر غير شرعى ونحو ذلك فإذازالت عنه هذه الأوصاف واتصف بأضدادها من الصفات الحميدة كالشفقة والرأفة على الخلق حتى يحب لغيره ما يحب لنفسه والإخلاص وحسن الخلق والسخاء والمسكنة وهى خضوع النفس لمقام الألوهية وخفض الجناح لرب البرية حتى لايشم صاحبها للرياسة رائحة وصاحبها هو العبد الحقيقى الصديقى .

فمن لم يتصف بها لم تخل نفسه عن منازعة الحق تعالى فى أخص أوصافه لأن الرياسة إنما تكون للفاعل المختار الغنى على الإطلاق وهى لاتفارق الإنسان الابعد المجاهدة الكبرى فعرقها لاينقطع عن أحد إلا من خصه الله تعالى بالعبودية المحضة ولذا قالو: آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرياسة ولايسهل الوصول إليها عادة إلا بمداومة ذكر لا إله إلا الله ليلا ونهاراً مع تعلق القلب بالله وحده والجوع والسهر والإعتزال عن الناس والصمت إلا عن ذكر الله تعالى مع بقية الأركان  .


فافهم يا أخى هذه المطالب وشد يدك عليها ولاتعتقد أنى من المتحققين بها الواصلين إليها بل إنى عبد ضعيف متشبث بأذيال الرجال الذين ظفروا بها وثبتوا لديها واقف على الباب منتظر لرفع الحجاب قائلاً :

أروم وقد طال المدى منك نظرة**وكم من دماء دون مرماى طلت

  اللهم إنا قد وجهنا إليك مطايا الآمال فلا تحرمنا لذة الوصال واحملنا على رواحل التوفيق وأسلك بنا أنفع طريق ياجواد ياكريم يارؤف يارحيم 


تم عمل هذا الموقع بواسطة