قال سيدي الإمام أحمد زروق رضي الله عنه: نسبة التصوف في الدين نسبة الروح من الجسد، وإن هذا العلم لا يؤخذ من الأوراق وإنما يؤخذ من أهل الأذواق، ولا يُنال بالقيل والقال، وإنما يؤخذ من خدمة الرجال وصحبة أهل الكمال. وكما قالوا: والله ما أفلح من أفلح إلا بصحبة من أفلح.
لذلك لا يمكن لأحد سلوك الطريق مفرداً، بل لابد له من مرشد في هذا الطريق، وهو الشيخ العارف الذي قد سلك طريق أهل الله وعلم مافيها على يد شيخ كذلك إلى أن ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن لم يصحب شيخا يدله على الطريق إلى الله، واشتغل بما عنده من عبادة أوعلم فقد تعرض لإغواء الشيطان، وكم ضل أناس في هذا الطريق بسبب تلبيس الشيطان عليهم، لذلك علمونا سادتنا بقولهم: إِذا عارض كشفُك الصحيح الكتابَ والسنة فاعمل بالكتاب والسنة ودع الكشف، وقل لنفسك: إِن الله تعالى ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة، ولم يضمنها في الكشف.
ولذلك طلب الأولياء من الله التنزيه عن اللبس في الكشف، فقد قال الإمام أبو البركات رضي الله عنه في توجه الأسنى:
وهب لي يارباه كشفاً مقدساً ... لأدري به سر البقاء مع الفنا
وفي شرحها للإمام أحمد الصاوي المالكي قال: أي وأعطني من فضلك وإحسانك يارباه أي ياربي وقلبت الياء ألفاً وأتى بهاء السكت وقد ورد في السنة نظير ذلك في سيااق زيادة التضرع. ومن ذلك قول سيدي أبى الحسن الشاذلي رضي الله عنه يارباه يامولاه يامغيث من عصاه أغثنا.
والكشف زوال الحجب عن عين القلب فيشاهد علوم الأنوار ومخبآت الأسرار. وقوله مقدساً أي مطهراً ومنزهاً عن اللبس لأن الشيطان قد يدخل على بعض الأولياء في كشفهم لبساً فربما تشكل لهم باللوح المحفوظ، هكذا سمعته من شيخنا المؤلف رضي الله عنه وهذا كما قال السيد البكري رضي الله عنه:
وهب لي ياوهاب كشفاً مقدساً ... عن اللبس يارحمن في ذلك خصنا
وقوله لأدري به إلخ أي لأعلم به علماً ضرورياً حقيقة البقاء والفناء لأن البقاء بالله والفناء في الله أخلاق ذوقية لا تعلم إلا بالذوق والعبارة عنما لا تفيد شيئاً. قال السيد البكري رضي الله عنه:
فجاهد تشاهد يامريد تقربي ... لعل الحشا بالجد تنمو حبوره
ولعل في قصة سيدي الإمام عبد القادر الجيلاني عبرة لنا وهي كما رواها ابن العماد الحنبلي في "شذرات الذهب": أن الشيخ موسى روى عن والده الشيخ عبد القادر الجيلاني أنه خرج في بعض سياحاته إلى البرية فمكث أيامًا لا يجد ماء حتى اشتد به العطش، فأظلته سحابة ونزل عليه منها شىء يشبه الندى، فحاول الشيطان أن يغويه فموه على عيني الشيخ فرأى في الأفق نورًا قويًا وصورة عظيمة، وناداه الشيطان بقوله: يا عبد القادر أنا ربك وقد أحللت لك المحرمات، فقال الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، اخسأ يا لعين، فإذا بالنور قد صار ظلامًا والصورة دخانًا، ثم خاطبه الشيطان قائلًا: يا عبد القادر نجوت مني بعلمك، وقد أضللتُ بهذه الواقعة سبعين من أهل الطريق.
فسألوا الإمام كيف عرفت أنه الشيطان، فقال: لأن قال أحللت لك المحرمات، ولا أحد يحل ويحرم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله أنا ربك ، ولم يستطع أن يقول أنا الله.
لقد كانت هذه القصة مصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: وفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد.
فإذا كان هذا فعل الشيطان مع الأكابر، فأين تذهب ياهذيل في هذا البحر المحيط الذي لا يسمع لموجه غطيط.
فالحذر الحذر ياأخوان من التلبيسات، خصوصاً المنامات فقد قرأت مرة أن هناك رجل رأى السيد أحمد الرفاعي الكبير في المنام وأعطاه العهد والطريق، فأصبح في اليوم الثاني وقد أرسل لجميع مشايخ وقته، أنه لا شيخ في هذا العصر يعلوا سنده على سنده، وعلى الجميع مبايعته شيخاً عليهم، فكتب له سيدي الشيخ محمد عثمان سراج الدين النقشبندي رضي الله عنها خطاباً فحواه: أن ياولدي بعد السلام لقد كنت نائماً فرأيت نفسي شيخاً على أهل الدنيا، وعندما أستيقظت وجدت جنبي على الحصير.
فان الرجل الذي رأى الإمام الرفاعي، لم يستفد من أنوار الإمام شيئاً، بل أُدخل على نفسه العجب والغرور، والطريق قائم على محق تلك الصفات الذميمة، وقد قال الإمام الجنيد البغدادي: الصوفي كالصوفة المطروحة على الأرض، يطأها كل بر وفاجر. أي مستسلم لإرادة الله، لايرى له حول ولاقوة، إذ لاحول ولاقوة إلا له وبه سبحانه وتعالى.
اللهم دلني على من يدلني عليك، وصلني بمن يصلني بك.
.................
الصورة تجسيد للقاء الأول بين مولانا جلال الدين الرومي،ومولانا شمس الدين التبريزي