العتبة الحسينية

العتبة الحسينية
..ّ...................
أيها المعرض عنا .. إنا إعراضك منا
لو أردناك لجعلنا .. كل ما فيك يريدنا

كنت صغيرا، تقريبا في المرحلة الإبتدائية، كان غرامي حياة الفرسان الأوائل، السيف والخيل، عندما كنت أشاهد فيلم عنتر بن شداد، وإسلاماه، الشيماء، مسلسل الفرسان كأني دخلت جنان الفردوس الفسيحة، كانت دعواتي ومناجاتي كلها سيف وملابس مثلهم، وفي مرة تكلمت مع ابن خالى الذي هو بمثابة أخي الأكبر لأنه مثقف الأطفال وقتها وأفصحت عن رغبتي في إقتناء السيف، لكن لا أعلم من أين، فقال لي أنه من الممكن أن تجده في خان الخليلي، فقلت له أين ذلك، فقال لي في حي الحسين، فذهبت لأمي وقلت لها أني أريد أن أذهب إلي الحسين، فصحبتني أنا وابن خالي وبنت خالي لزيارة سيدنا الحسين، وبالفعل ذهبنا.
أين خان الخليلي، قالت لي زور سيدنا الحسين الأول ونصلي المغرب وانتظرنا عند الباب.
دخلنا زورنا، لكن ما أن خطيت برجلي عتبة باب ضريح مولانا إلا وشعرت بإنفعال نفسي، ودقات قلبية متزايدة، وحاله من الحنين كأن الفرع إجتمع مع الأصول، لم أفقه وقتها، ولم أحدث بما شعرت به، ثم صلينا المغرب، ودخلنا الخان بعدها.
وجدت السيوف والخناجر والمسابح الفضية، والمشغولات النحاسية، وسأل ابن خالي على ثمن السيف، فأخبرنا الرجل أنه بمائة وعشرون جنيها، لم يكن معي إلا ما أدخرته وهو أربعون جنيها.
فنظرت إلى أمي فسألت البائع هو مسنون فقال لها: نعم ،فقالت لي غالي، هي كانت تخاف على من تلك الأداه الحادة .
لم أحزن لعدم الشراء، فأنا حددت طلبي وعرفت أين أجده، بعد أن كان بالنسبة لي شئ خيالي مستحيل.
ومضينا نتناول الأرز بلبن في المالكي وعدنا إلى بيتنا.
بعدها بفترة وكنت قد شببت عن الطوق، أجمعت مبلغ المائة وعشرون جنية، وذهبت وحدي، ركبت مترو الأنفاق ونزلت العتبة، وسألت عن شارع الأزهر، وظللت أسير فيه حتى وصلت إلى رحاب سيدنا الحسين.
فدخلت وزرت وصليت، ثم مضيت في طريقي إلى الخان، أنظر يميناً، ويساراً، حتى وجدت السيوف معلقة، فسألت عليها فقال لي أنها بمائة وأربعون جنيها.
فمضيت عائدا الي المنزل، ثم بعدها عدت الكرة تلو الكرة، وفي كل مرة أدخل لمولانا أزور وأصلي، وأدخل الخان أنظر وأسأل وأمضي في طريقي، برغم أنه كان معي من مالي ما أستطيع به الشراء، لكني لم أكن أشتري ما ظللت أتمناه سنوات، فأنا أنزل من بيتي وأنا هامم الشراء، فأذهب وأنظر فيقذف في قلبي زهد هذه الأمنية فأعود وقد تأججت الفكرة في داخلي، وزادت الرغبة فأنزل وأزور وأصلي وأزهد وأعود.

مرت سنوات تلو السنوات حتى أني كنت أذهب وفي داخلي تلك الأمنية، فلا أدخل الخان أصلا.
إن السير في شارع الموسكي والأزهر، والمرور علي الغورية، وإستنشاق ذلك الهواء المحمل بروائح التوابل والبخور، كان يحرك أشياء داخل صدري، وأشعر بأحاسيس داخل قلبي لا أعلم ما هيتها.
ومضى العمر وفطنت أن ذلك العبق لم يكن إلا أنفاس الأولياء والعلماء والصالحين الذين عمروا هذا المكان على مر قرون ، فكان بمثابة بذور روحانية بحب مولانا تزرع في.

فأول ما فتحت عيني، فتحت على مولانا، وأول ما دق قلبي، دق بحب مولانا، وما همت فرحا إلا عندما لفت نظرى تلك اللوحة الرخامية المعلقة بجانب باب مسجد مولانا أمير المؤمنين والتي بها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
حسين مني
وأنا من حسين
احب الله من أحب حسينا
حسين
سبط من الأسباط

وأُستبدل سيف الحديد بسيف المحبة، فتحقق قول سيدي أبو المواهب الشاذلي رضي الله عنه
نحن بالله عزنا ... وبالنبي المقرب
بهما عز نصرنا ... لا بجاه ومنصب
من أراد ذلنا ... من قريب وأجنبي
سيفنا فيه قولنا ... حسبنا الله والنبي


تم عمل هذا الموقع بواسطة