أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك
نجم من نجوم الهداية، الجد العشرون لسيدي عبد الحافظ بن علي
عقبه بن عامر الجهني
أُسَوِّدُ أَعْلَاهَا وَتَأْبَى أُصُولُهَا ... وَلَا خَيْرَ فِي الْأَعْلَى إِذَا فَسَدَ الْأَصْلُ
بيرقدار الرسول ورديفه أبو أسد عقبة بن عامر الجهني، أمير من الصحابة من أهل الصفة كان مقرئاً، محدثاً، فقيهاً، فارضياً، أديباً،كاتباً، فصيحاً، شاعراً، أميراً، مجاهداً، أحد جمعة القرآن الكريم، قائدا من قادة الفتح المرموقين، ووالياً من ولاة الإسلام المعدودين.
تولى حكم مصر سنة 44هـ، وروى خمسة وخمسون حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أسمه ونسبه:
هو عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو بن عدي بن عمرو بن رفاعة بن مودوعة بن عدي بن غنم بن الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة بن زيد بن سود بن أسلم بن عمرو بن الحاف بن قضاعة الجهني.
كنيته: أبو أسد، وقيل أبو الأسد المصري، وقيل أبا الأسود، وقيل أبا أسيد ، وقيل أبا عامر وقيل أبا عمار وقيل أبو حماد .
ولقب بيرقدار الرسول لنشره الاعلام في الغزوات.
حياته وإسلامه :
كان سيدنا عقبة بن عامر رضي الله عنه قبل إسلامه يمتهن مهنة الأنبياء وهي رعي الغنم حيث كانت له غنم يرعاها في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، ويحدثنا سيدنا عقبه رضي الله عنه عن قصته مع سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم ولقائه به، فيقول: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلَّم المدينة، وأنا في غنيمات لي أرعاها فما إن تناهى إليَّ خبر قدومه صلّى الله عليه وسلّم، حتى تركتُها، ومضيت إليه، لا ألوي على شيء، فلّما لقيته قلّت: يا رسول الله تبايعني؟ فقال عليه الصلاة والسلام: فمن أنت؟ قلت عقبة بن عامر الجهني قال عليه الصلاة والسلام أيما أحب إليك، تبايعني بيعة أعرابية، أو بيعة هجرةٍ؟ قلت: بل بيعة هجرةٍ، فبايعني رسول الله صلى الله علي وسلم على ما بايع عليه المهاجرين.
ويقول لنا سيدي عقبة رضي الله عنه: أقمت معه ليلة، ثم مضيت إلى غنمي، ليلة واحدة، وكنا اثنا عشر رجلاً مِمَّن أسلموا، نقيم بعيداً عن المدينة، لنرعى أغنامها في بوادينا، فقال بعضنا لبعض: والله لا خير فينا، إذا نحن لم نقدُم على رسول الله صلّى الله عليه وسلًم، يوماً بعد يوم، ليفقِّهنا في ديننا، وليسمعنا ما ينزل عليه من وحي السماء، فليمض كلَّ يومٍ واحدٌ منا إلى يثرب، وليترك غنمه لنا، فنرعاها له، فقلت لهم: اذهبوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم واحداً بعد آخر، وليترك لي الذاهب غنمه، لأني كنت شديد الإشفاق على غنيماتي مِن أن أتركها لأحد، ثم طفق أصحابي يغدون الواحد تلوَّ الآخر إلى النّبي صلّى الله عليه وسلّم، ويترك لي غنمه أرعاها له، فإذا جاء أخذت منه ما سمع، وتلقيِّت عنه ما فقه، لكنني ما لبثت أن رجعت إلى نفسي، وقلت: ويحك، أمن أجل غنيماتٍ لا تسمن ولا تغني، تفوِّت على نفسك صحبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والأخذ عنه مشافهةً، من غير واسطة، ثم تخلّيت عن غنيماتي، ومضيت إلى المدينة، لأقيم في المسجد.
قال الذهبي: (عن عقبة، قال: بايعت رسول الله على الهجرة، وأقمت معه). وانظر كذلك ابن سعد 4 / 343، 344
وقال ابن الأثير: (روى عنه أبو عشانة أنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وأنا في غنم لي أرعاها، فتركتها ثم ذهبت إليه، فقلت: تبايعني يا رسول الله؟ قال: فمن أنت؟ فأخبرته، فقال: "أيما أحب إليك تبايعني بيعة أعرابية أو بيعة هجرة؟" قلت: بيعة هجرة فبايعني). وذكرها ابن حجر وابن تغري بردي من طريق قيس بن أبي حازم. واخرجها مسلم وأبو داود والنسائي.
وهكذا ترك سيدنا عقبة بن عامر رضي الله عنه الدنيا وما فيها، تخلى عن غنمه ورأس ماله، ضرب بالدنيا عرض الحائط لأجل سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم.
وبعد هذا التخلي، لم يكن لسيدنا عقبة سبيل، ولا مال، ولا بيت، فلم يجد إلا الصفة، فأصبح من أهلها.
والصفة: مكان في مؤخرة المسجد النبوي الشريف، في الركن الشمالي الشرقي منه، أمر به سيدنا النبي، فظُلل بجريد النخل، وأُطلق عليه اسم "الصفة" أو "الظلة". وقد أُعدت الصفة لنـزول الغرباء العزاب من المهاجرين والوافدين الذين لا مأوى لهم ولا أهل فكان يقل عددهم حيناً، ويكثر أحياناً، وكان كثيراً ما يجالسهم سيدنا النبي، ويأنس بهم، ويناديهم إلى طعامه، ويشركهم في شرابه؛ فكانوا معدودين في عياله.
نزل فيهم قوله تعال : لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ.
وفيهم نزل قوله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً.
وجاء في الجامع في أحكام القرآن: أن جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: عيينة بن حصن والأقرع بن حابس فقالوا : يا رسول الله ; إنك لو جلست في صدر المجلس ونحيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم - يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين، وكانت عليهم جباب الصوف لم يكن عليهم غيرها - جلسنا إليك وحادثناك وأخذنا عنك، فأنزل الله تعالى : واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه - حتى بلغ - إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها. يتهددهم بالنار. فقام النبي صلى الله عليه وسلم يلتمسهم حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله قال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي ، معكم المحيا ومعكم الممات.
وكان جُل عمل أهل الصفة تعلم القرآن والأحكام الشرعية من رسول الله أو ممن يأمره رسول الله بذلك، فإذا جاءت غزوة خرج القادر منهم للجهاد فيها.
وكان من أشهرهم سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه، وسيدنا عقبة بن عامر رضي الله عنه.
وقال سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه: "لقد رأيت معي في الصفة ما يزيد على ثلاثمائة، ثم رأيت بعد ذلك كل واحد منهم والياً أو أميراً، والنبي صلى الله عليه وسلم قال لهم ذلك حين مر بهم يوماً ورأى ماهم عليه.
قال الذهبي: قال عقبة: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة، وكنت من أصحاب الصفة.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة، فقال أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان، أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم، ولا قطع رحم؟ فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك، قال: أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم، أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل، خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل.
لزم سيدنا عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لزوم الظل لصاحبه، فكان يأخذ له بزمام بغلته أينما سار وكثيراً ما أردفه النبي وراء ظهره، حتى دُعي برديف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ,وكان في بعض الأوقات ينزل له النبي الكريم عن بغلته، ليكون هو الذي يركب، والنبي عليه الصلاة والسلام هو الذي يمشي.
فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: كنت آخذًا بزمام بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض طرق المدينة، فقال لي النبي: اركب، وهو يمسك بزمام البغلة، فهممتُ أن أقول: لا، لكني أشفقت أن يكون في هذا معصيةٌ لرسول الله، ثم ما لبثت أن نزلتُ عنها، وركب النبي عليه الصلاة والسلام، ثم قال لي: يا عقبة، ألا أعلِّمك سورتين لم يُرَ مثلهما قط؟ قلت: بلى يا رسول الله، فأقرأني، قال تعالى: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس.
فقال: اقرأْهما كلما نمت، وكلما قمت، قال سيدنا عقبة: فما زلت أقرأهما ما امتدت بي الحياة.
أخرج مسلم (814) في صلاة المسافرين: باب فضل قراءة المعوذتين عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط ؟ قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس.
......
(لطيفة في اسم عقبة رضي الله عنه): وهي أن العرب تقول أعقبت الرجل إذا ركبت عقبه، وركب هو عقبة فكأنه رضي الله عنه لحظ فيه معى التسمية لما سبق له من الشهادة بالعقبة التي اتفقت له مع النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: بينما أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم في نقب من تلك النقاب إذ قال ألا تركب يا عقبة فأجللت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أركب مركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال ألا تركب يا عقبة فأشفقت أن يكون معصية فنزل وركبت هنيهة ونزلت وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم . والعقبة هي النوبة، تقول ركبن عقبة أي نوبة، وهما يتعاقبان كالليل والنهار . وفي المقرب العقبة مسافة الركوب بعد المشي، والمشي بعد الركوب وقيل موضع الركوب والنزول، ويقول أخذت من أسيري عقبة إذا أخذت منه بدلا. وعقبة الطاير ما بين مسافة ارتفاعه وانحطاطه والعقبة أيضاً شئ من المرق يرده مستعير القدر إذا أرددها .
والجهني بضم الجيم نسبة إلى جهينة وهي قبيلة من قضاعة وهو في الأصل تصغير جهنة وهي مثل جهمة الليل وأبدلت النون ميماً، وهي القطعة من سواد نصف الليل، فإذا كانت بين العشاءين فهي الفحمة والقسورة. وقال قطرب: جارية جهانة أي شابة، وكأن جهينة ترخيم من جهانة. وفي امثال العرب عند جهينة الخبر اليقين، وقال ابن الأعرابي والأصمعي وعند جفينة. قال هشام بن الكلبي : خرج رجل من «جهينة» يقال له الأخنس بن كعب، وكان الأخنس قد أحدث في قومه حدثاً، فخرج هارباً فلقيه رجل يعرف بالحصين – فقال له: من أنت «أثكلتك» أمك ؟ فقال له الأخنس: بل أنت ثكلتك أمك، فرددّ هذا القول، حتى قال الأخنس : أنا الأخنس بن كعب فأخبرني من أنت وإلا أنفذت قلبك بهذا «السنان» فقال له الحصين: أنا حصين بن عمرو الكلابي. فقال له الأخنس :فما الذي تريد ؟ قال : خرجت لما يخرج له الفتيان، فقال الأخنس وأنا خرجت لمثل ذلك فقال له الحصين: هل لك أن نتعاقد ألا نلقى احداً من عشيرتك أو من عشيرتي إلا سلبناه ؟ قال نعم، فتعاقدا على ذلك، وكلاهما فاتك يحذر صاحبه فلقيا رجلاً فسلباه، فقال لهما هذا الرجل الذي سُلبت أغراضه للتو: هل لكما أن تردا علي بعض ما أخذتما مني وأدلكما على «مغنم» ؟ قالا: نعم، فقال الرجل المسلوب: هذا رجل من «لخم» قد قدم من عند بعض الملوك بمغنم كثير وهو خلفي في موضع كذا وكذا، فردّا له بعض ماله وطلبا اللخمي فوجداه نازلاً في ظل شجرة ومعه طعام وشراب فأقبلا عليه، وعرض عليهما الطعام. فكّر كل واحدٍ منهم أن ينزل قبل صاحبه فيفتك به فنزلا جميعاً، فأكلا وشربا مع اللخمي ثم أن الأخنس ذهب لبعض شأنه فرجع واللخمي يغرق في دمه فقال الأخنس بعد أن سلَّ سيفه لأن سيف صاحبه الحصين كان مسلولاً: ويحك فتكت برجل قد تنعمنا بطعامه وشرابه فقال له الحصين: إقعد ياأخا جهينة فلهذا وشبهه خرجنا من قبائلنا، فشربا وتحدثا لساعة. ثم أن الحصين قال: يا أخا جهينة أتدري ما صعلة وما صعل؟ فردّ الأخنس هذا يوم شرب وأكل فقط، فسكت الحصين، ثم قال: يا اخا جهينة هل أنت للطير زاجر؟ ما رأيك بهذه العقاب؟ قال الجهيني: وأين تراها؟ قال : هنا. وتطاول الحصين ورفع رأسه إلى السماء فوضع الاخنس بادرة السيف في نحر الحصين فقال: أنا الزاجر والناحر. فقتل الأخنس الحصين وإحتوى على متاعه ومتاع اللخمي معا، وانصرف راجعاً إلى قومه فمرّ ببطنين من قيس يقال لهما مراح وإنمار، فإذا هو بإمرأة تنشد الحصين فقال لها: من أنت؟ قالت : أنا صخرة إمرأة الحصين (وقيل أنها أخته). فقال لها: أنا قتلته، فقالت: كذبت، ما مثلك يقتل مثله. فانصرف إلى قومه وأصلح أمرهم ثم جاءهم ووقف وقال:
وكم من ضيغم ورد هموس ... أبي شبلين مسكنه العريـن
علوت بياض مفرقه بعضب ... فأضحى في الفلاة له سكون
وأضحت عرسه ولها عليه ... بعيد هـدوء ليلتهـا رنيـن
وكم من فارس لا تزدريـه... إذا شخصت لموقعه العيون
كصخرة إذ تسائل فيمـراح ... وإنمـار وعلمهمـا ظنـون
تسائل عن حصين كل ركب ... وعند جهينة الخبر اليقيـن
فمن يك سائلاً عنـه فعنـدي ... لصاحبه البيـان المستبيـن
وقال السيوطي في جامع الأحاديث: آخر من يدخل الجنة رجل من جُهَيْنَة يقال له جُهَيْنَة فيقول أهل الجنة عند جُهَيْنَة الخبر اليقين سلوه هل بقى من الخلائق أحد يعذب فيقول لا؟ رواه الدار قطني في غرائب مالك، والخطيب في رواة مالك عن ابن عمر، وقال الدارقطني: باطل، كذا ذكره السيوطي في ذيل الموضوعات من طريق الدارقطني، وقد أورده العجلوني في " كشف الخفاء " ( 1 / 15 ) ثم لم يبد حاله !
..............
وفي يوم سأل سيدنا عقبة رضي الله عنه سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، لم يسأله عن المال، لم يسأله عن الولد، لم يسأله عن ضيق المعيشة، لم يسأله عن أمر من أمور الدنيا فهي لم تكن تشغله فهو قد تخلى عنها من قبل، عندما تركها لأجل صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد التخلي يكون التحلي، فها هو يتحلى ويسأل عما ينفع، سأل عن سبيل الخلاص والنجاة.
فعن عقبة بن عامر قال: قلت يارسول الله ما النجاة. قال: أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك. (رواه الترمذي)
ومن خلال هذه الرحلة الروحانية في حياة سيدنا عقبة رضي الله عنه، والتي صحب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتشبع بنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم له، ونظره هو إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونهل القرآن والعلم والحديث من عين منبعه، صار سيدي عقبة رضي الله عنه قارئاً.
وكان رضي الله عنه من أحسن الناس صوتاً بالقرآن، فتصغى لترتيله أفئدة الصحابة، وتخشع له قلوبهم، وتفيض عيونهم بالدمع من خشية الله.
قال الذهبي: وعن أبي عبد الرحمن الحيلي: أن عقبة كان من أحسن الناس صوتا بالقرآن، فقال له عمر: اعرض علي. فقرأ، فبكى عمر.
ولقيه عمر يوماً وقال له: اعرض على شيئاً من كتاب الله يا أبا أسد، فقال: سمعاً وطاعة يا أمير المؤمنين، وجعل يقرأ له ما تيسر، وعمر يبكي، حتى بللت دموعه لحيته.
ولم يتميز سيدنا عقبة رضي الله عنه في القرآن فقط، بل كان محدثاً وروى خمسه وخمسون حديثاُ عن النبي صلى الله علي وسلم، وله فيهم مسند قال ابن عبد الحكم في كتابة "فتوح مصر وأخبارها": إن أهل مصر يروون عنه نحو مائة حديث، وذكر منها عددًا كبيرًا، وهاك بعض ما رُوي عنه من الأحاديث.
اتفق البخارى ومسلم منها على سبعة أحاديث، وانفرد البخارى عنه بحديث واحد، وانفرد مسلم عنه بتسعة أحاديث.
وهذا رابط تحميل صورة من مخطوط مسند عقبة، والتي جمع فيها صاحبها الأحاديث التي رواها سيدنا عقبة، وأصل هذه النسخة في مكتبة برلين بألمانيا الغربية وعنها مصورة في الجامعة الإسلامية رقم 1167 ف .
https://www.4shared.com/office/0GKMi0NXca/___online.html?
وروى عنه من الصحابة جابر، وابن عباس، وأبو أمامة، ومسلمة بن مخلد.
وأما رواته من التابعين فكثيرون، ويقول الناسخ بن غنيم: قال ابن الجوزي في (كشف المشكل): جملة ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وخمسون حديثاً، أخرج له في الصحيحين سبعة عشر.
قال ابن عبد البر: وأما رواته من التابعين فكثير، وممن حدثوا ورووا عنه منهم: أبو الخير مرثد اليزني، وجبير بن نفير، وسعيد بن المسيب، وأبو إدريس الخولاني، وعلي بن رباح، وأبو عمران أسلم الجيبي، وعبد الرحمن بن شماسة، ومشرح بن هاعان، وأبو عشانة حي ابن يؤمن، وبعجة بن عبد الله الجهني، وخلق سواهم من أهل مصر.
وقال ابن تغري بردي: وآخر من روى عن عقبة بمصر أبو قبيل - اي المعافري
وكان أيضاً عالماً بالفرائض حتى صار من كبار أهل ذلك العلم، وكان فقيهاً، واتسم بالفصاحة رضي الله عنه، وكان كاتباً، وكان شاعراً.
قال الذهبي: وكان عالما مقرئا فصيحا فقيها فرضيا شاعرا كبير الشأن.
وقد كتب هذا الصحابي الجليل، والحبر النحرير مصحفاً بخط يده، كان في نهايته مكتوب: كتبه عقبه بن عامر بيده. وكان هذا المصحف موجوداً في مسجده، ولكنه للأسف فقد مع جملة ما فقد من تراثنا الإسلامي.
قال ابن حجر: قال أبو سعيد بن يونس: كان قارئاً عالماً بالفرائض والفقه، فصيح اللسان، شاعراً، كاتباً، وهو أحد من جمع القرآن، قال: ورأيت مصحفه بمصر على غير تأليف مصحف عثمان وفي آخره "كتبه عقبة بن عامر بيده".
قال ابن الأثير: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن الطوسي، أخبرنا أبو محمد جعفر بن أحمد القارئ، أخبرنا الحسن بن أحمد بن شاذان، حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق، حدثنا يحيى بن جعفر الزبرقان، حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الرحمن بن عائذ، عن عقبة بن عامر الجهني قال: ذهب إلى المسجد الأقصى يصلي فيه، فرآه ناس فاتبعوه، فقال لهم: ما لكم؟ قالوا: أتيناك لصحبتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لتحدثنا بما سمعت منه. قال: انزلوا فصلوا. فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد يلقى الله عز وجل لا يشرك به شيئاً، ولم يتند بدم حرام، إلا دخل من أي أبواب الجنة شاء".
وذكر ابن أبي حجلة في مخطوطة ( جوار الأخيار في دار القرار): حدث ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن على بن رباح قال: سمعت معاوية بن خديج يقول: هاجرنا على عهد أبى بكر رضي الله عنه، فبينما نحن عنده، إذ طلع المنبر فحمد الله واثنى عليه، ثم قال : إنه قدم علينا برأس بيلق البطريق ولم يكن لنا به حاجة، إنما هذه سنة العجم. ثم قال: قم ياعقبة، فقام رجل يقال له عقبة، فقال: إني لا أريدك، إنما أريد عقبة بن عامر، قم ياعقبة، فقام رجل فصيح، قارئ، فاتتح سورة البقرة، ثم ذكر قبالهم و مافتح الله عز وجل، فلم أزل أحبه من يومئذ.
جهاده رضي الله عنه:
لم يقف دور سيدنا عقبة عند هذا الحد، فهؤلاء رجال كتبوا أسمائهم فوق المجد، أشم من الجبال الراسيات، لم يكن هذا فقط سيدنا عقبة رضي الله عنه، بل كان من كبار المجاهدين، أحد الكماة الأشاوس المغاوير.
فقد شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، غزوة أحد وما بعدها من مغازي.
وقد بلغ ولع سيدنا عقبة بالجهاد أنه وعى أحاديث الجهاد في صدره، وأُختص بروايتها إلى المسلمين، وبذلك يكون له دور أيضاً في تحريك همم الرجال على الجهاد، لنصرة دين الإسلام.
قال الزركلي:كان شجاعاً فقيها شاعراً قارئا، من الرماة.
عن عبد الله بن زيد الأزرق، قال: كان عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه يخرج فيرمي كل يوم، وكان يستتبعه فكأنه كاد أن يمل فقال: ألا أخبرك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بلى قال: سمعته يقول: إن الله تعالى يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صاحبه الذي يحتسب في صنعته الخير، والذي يجهز به في سبيل الله، والذي يرمي به في سبيل الله، وقال ارموا واركبوا، وإن ترموا خير من أن تركبوا، وقال كل شيء يلهو به ابن آدم فهو باطل إلا ثلاثة رميه عن قوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله فإنهن من الحق.
وعن عبد الله بن الأزرق، أن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة.
وفي عهد خلافة سيدنا الصديق رضي الله عنه خرج سيدنا عقبة رضي الله عنه مع الجيش الإسلامي لفتح دمشق، وكان أحد الكماة الأشاوس المغاوير، الذين أبلوا يوم فتح دمشق أعز البلاء وأعظمه. وأراد سيدنا أبو عبيدة بن الجراح أمير الجيش وقتها أن يبشر خليفة المسلمين وهو في ذلك الوقت قد أصبح سيدنا الفاروق رضي الله عنه، فلم يجد من يستحق مكافأة أن يكون بشير الفتح إلا سيدنا عقبة رضي الله عنه، فأرسله يكون هو البريد إلى المدينة، فظل ثمانية أيام بلياليها من الجمعة إلى الجمعة يغذ السير دون إنقطاع، حتي يبشر الفاروق بالفتح العظيم الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق.
فقال رضي الله عنه: خرجت من الشام يوم الجمعة، ودخلت المدينة يوم الجمعة. فقال لي عمر: هل نزعت خفيك؟ قلت:لا قال : أصبت السنة.
وقال الإمام محي الدين النووي: كان عقبة من أحسن الناس صوتاً بالقرآن، وشهد فتوح الشام، وكان البريد إل عمر بن الخطاب بفتح دمشق، ووصل المدينة في سبعة أيام، ورجع منها في يومين ونصف، بدعائه عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم وتشفعه به في تقريب طريقه.
و له دار بدمشق بخط باب توما، و هو أحد أبواب مدينة دمشق من الجانب الشرقي.
وما زال التاريخ يروى لنا الكثير عن هذا البطل المغوار ففي سنة 20هـ كان هو من أرسله سيدنا الفاروق رضي الله عنه بكتابه إلى سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه، وكان في الكتاب إذا لم تكونوا دخلتم مصر فأرجع، فعلم عمرو ما في الكتاب، فلم يفتح الكتاب وظل العسكر يشغل سيدنا عقبة بالحديث، حتى دخل سيدنا عمرو مصر، وشهد سيدنا عقبة رضي الله عنه فتح مصر، وهو القائل أنها فتحت صلحاً.
قال ابن ماكولا: شهد فتح مصر، واختط بها.
ولما حدثت الفتنة في آخر خلافة عثمان بن عفان، وكان والي مصر عبد الله بن سعد بن أبي السرح أحد أسباب تلك الفتنة، فقد خرج عبد الله إلى المدينة لمقابلة الخليفة ذو النورين سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، واستخلف على مصر سيدنا عقبة بن عامر، وقتل سيدنا عثمان أثناء ذلك، وتولى الخلافة أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه؛ فعزل عبد الله بن سعد وسيدنا عقبة بن عامر عن ولاية مصر، وولاها قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما.
ثم استولى على مصر جماعة من قبل سيدنا علي بن أبي طالب، وقاتلوا سيدنا عقبة بن عامر، فخرج سيدنا عقبة إلى الشام وانضم إلى معسكر معاوية، وشهد معركة صفين مع معاوية بن أبي سفيان سنة 37هـ، وعلى الأرجح أن داره التي باب توما قد أتخذها في هذه الأثناء.
ثم في سنة 44هـ ولى معاوية بن أبي سفيان إمرة مصر لسيدنا عقبة بن عامر رضي الله عنه والياً على مصر بعد موت أخيه عتبة بن أبي سفيان.
وجمع معاوية لعقبة في إمرة مصر بين الخراج والصلاة.
ويقول المقريزي بالخطط ص583: ذِكر منية عقبة: هذه القرية بالجيزة عرفت بعقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه. قال ابن عبد الحكم: كتب عقبة بن عامر الى معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنهما يسأله ارضا يسترفق فيها عند قرية عقبة، فكتب له معاوية بألف ذراع في ألف ذراع، فقال له مولى له كان عنده: انظر أصلحك الله ارضا صالحة، فقال عقبة: ليس لنا ذلك، إن في عهدهم شروطاً ستة: منها الا يؤخذ من ارضهم شيء، ولا من نسائهم، ولا أولادهم، ولا يزاد عليهم، ويدفع عنهم موضع الخوف من عدوهم، وأنا شاهد لهم بذلك.
وفي رواية: كتب عقبة الى معاوية يسأله نقيعا في قرية يبني فيها منازل ومساكن فأمر له معاوية بألف ذراع في ألف ذراع فقال له مواليه ومن كان عنده: أنظر إلى أرض تعجبك فاختط فيها وابتن، فقال: إنه ليس لنا ذلك، لهم في عهدهم ستة شروط: منه الا يؤخذ من ارضهم شيء، ولا يزاد عليهم، ولا يكلفوا غير طاقتهم، ولا تؤخذ ذراريهم، وأن يقاتل عنهم عدوهم من ورائهم.
قال ابو سعيد بن يونس: وهذه الارض التي اقتطعها عقبة هي المنية المعروفة بمنية عقبة في جيزة فسطاط عمر.
وكان سيدنا عقبة من الثمانين صحابياً الذين وقفوا على قبلة جامع عمروا بن العاص، وهكذا ظل سيدنا عقبة بن عامر رضي الله عنه حاكماً على مصر، قرابة الثلاث سنوات، إلى أن أراد معاوية عزله في سنة 47هـ، عندما قدم مسلمة بن مخلد على معاوية بدمشق ولاه مصر، وسير معاوية، مسلمة إلي مصر وأمره أن يكتم ذلك عن عقبة بن عامر، وأمر معاوية، بغزو رودس ومعه مسلمة بن مخلد المذكور.
وكانت هذه أول مرة يركب فيها سيدنا عقبة البحر، وهذه المرة هو قائد جيش المسلمين، فمسئولية كل فرد في هذا الجيش تقع على عاتقه، فنشر سيدنا عقبة بن عامر الرايات على السفن و بذلك صار هو أول من اتخذ الرايات على السفن.
وخرج سيدنا عقبة ومسلمة إلى الإسكندرية، ثم توجها في البحر، فلما سار سيدنا عقبة استولى مسلمة على سرير إمرته، فبلغ ذلك عقبة بن عامر، فقال: أغربة وعزلاً!، ما أنصفنا معاوية. وكان ذلك لعشرٍ بقين من ربيع الأول سنة سبع وأربعين وكانت ولايته سنتين وثلاثة أشهر وتولى مسلمة بعده الإمرة، وكان الأسلوب الذي اتبعه معاوية في عزل سيدنا عقبة وتولية مسلمة بن مخلد خروج عن المألوف، ومنافياً للمجاملة.
ثم شارك بعد ذلك في حصار القسطنطينية تحت إمرة يزيد، ذلك الحصار الذي مات فيه الصحابي الجليل سيدنا أبو أيوب الأنصاري، وعاد إلى مصر بعد ذلك وأقام بها، يفتي الناس ويعلمهم أمور دينهم، ويأخذون عنه القرآن والحديث.
وكان يعد من مفتون مصر، وذكر الذهبي وابن خلكان وابن تغري بردي أن الصحابة كانوا يستفتونه في أمور دينهم، ويكفي أن كلَّ المفتين المصريين من جيل التابعين قد تتلمذوا على يديه.
ومن أشهر الفتاوى التي تنسب إلى عقبة، والتي أُخذ بها في معاملة المصريين على الدوام: فتواه بأن مصر فُتحت صلحًا، وهو الرأي الذي أخذ به المفتون من بعده، منهم: يزيد بن أبي حبيب، والليث بن سعد، وغيرهما.
وهكذا عدته دار الإفتاء المصرية من مفتون مصر، كما جاء على موقعها الرسمي
http://dar-alifta.org/AR/ViewFatawaConcept.aspx?ID=11
وكان سيدنا عقبة يخضب بالسواد. ذكره الذهبي وابن الأثير وابن تغري بردي. و قال ابن حبان: حدثني محمد بن إسحاق الثقفى، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا الليث بن سعد، عن أبى عشانة المعافري قال: رأيت عقبة بن عامر يخضب بالسواد ويقول: نسود أعلاها وتأبى أصولها.
وكان رضي الله عنه رجلاً مجاب الدعوة.
وعلى فراش المرض أوصى سيدنا عقبة بنيه بثلاث وصايا كعقد الدرر فقال: يا بنى أنهاكم عن ثلاث فاحتفظوا بهن: لا تقبلوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من ثقة، ولا تستدينوا ولو لبستم العباء (كساء مفتوح من الإمام) ولا تكتبوا شعراً فتشغلوا له قلوبكم عن القرآن.
وتوفى سيدنا عقبة بن عامر إلى جوار ربه في الثامن من شعبان 58هـ ، وهو نفس اليوم الذي توفت فيه أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق السيدة عائشة رضي الله عنها ودُفن بجبانة المقطم بالقاهرة، وقبره معروف ومشهور، وكان أوصى قبل موته بسبعين فرس مع كل فرس جعابها ونبالها في سبيل الله، وكان هذا كل ما خلفه ورائه.
قال الزركلي: وللشهاب أحمد بن أبي حجلة التلمساني "776" كتاب "جوار الأخيار في دار القرار" في الأزهر "1199رواق المغاربة" في مناقبه120ورقة.
قال الزركلي: مات بمصر، ولأهل مصر فيه إعتقاد عظيم.
قال ابن الأثير: ولى له - اي لمعاوية - مصر وسكنها، وتوفي بها سنة ثمان وخمسين. وكذا وافق التاريخ الذهبي بالسير.
وقال ابن ماكولا: توفي بمصر سنة ثمان وخمسين. قاله ابن يونس.
وقال ابن حجر وابن تغري بردي: ومات في خلافة معاوية على الصحيح.
وقال ابن عبد البر: توفي في آخر خلافة معاوية.
وقال ابن تغري بردي: قال صاحب كتاب العقود الدرية في الأمراء المصرية: توفي عقبة في سنة ثمان وخمسين بمصر وقبره يزار بالقرافة، وقال: وليس في الجبانة قبر صحابي مقطوع به إلا قبر عقبة فإنه زاره الخلف عن السلف، وقال الزركلي: وفي القاهرة مسجد عقبة بن عامر بجوار قبره.
وقال ابن حجر: وحكى أبو زرعة في تاريخه عن عبادة بن نسي قال رأيت رجلا في خلافة عبد الملك يحدث فقلت من هذا قالوا عقبة بن عامر الجهني قال أبو زرعة فذكرته لأحمد بن صالح قال هذا غلط مات عقبة في خلافة معاوية وكذلك أرخه الواقدي وغيره.
قال المقريزي: قال ابن يونس: توفي بمصر سنة ثمان وخمسين ودفن في مقبرتها بالمقطم.
وقال الموفق بن عثمان بكتاب مرشد الزوار: ص 146: وذكر ابن يونس في تاريخه أن عقبة بن عامر توفي سنة ثمان وخمسين بمصر وقُبِرَ بمقبرتها بالمقطم.
وبـ ص 147: وقبره القبر المسنّم الكبير عند تُربة بني العوام وعند رأسه بلاطة كان فيها اسمه وضعها ابو حفص عمر بن محمد بن غزال بن محمد المقرئ شيخ مصر تلميذ الامام ابن رشيق العسكري شيخ مصر يتداوله السلف والخلف والدعاء عنده مجاب وليس فيه اختلاف ولم يكن في الجبانة قبر اثبت منه رضي الله عنه ونفع ببركاته آمين.
قال الموفق بن عثمان بموضع آخر بنفس الكتاب: عقبة بن عامر الجهني ذُكر ان ابا حفص ابن غزال الحضرمي دل عليه الناس وذَكَر أنه قبل قبر ذي النون المصري مما يلي الشرق، وهو أشهر من قبر عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
وقال ابن تغري بردي بكتاب النجوم الزاهرة: وقال الشيخ الموفق بن عثمان في تاريخه المرشد ناقلا عن حرملة من أصحاب الشافعي: إن البقعة التي دفن فيها عقبة - بن عامر - بها أيضاً قبر عمرو بن العاص وقبر ابي بصرة الصحابيين تحويهم القبة التي هدمها صلاح الدين يوسف بن ايوب ثم بناها البناء المعهود الآن.
وكما قرأنا بكتاب مرشد الزوار للموفق بن عثمان ان قبر عقبة بن عامر بالقرافة قبر ثابت لا شك فيه يتوارث زيارته الخلف عن السلف وأنه هو الصحابي الوحيد الذي يثبت مكان قبره بالقرافة خلافاً عن الصحابة الذين دفنوا بالقرافة ولم تُعلَم قبورهم ودثرت.
وهذه المنطقة هي حالياً نفس المكان الذي ذكره الموفق بن عثمان الذي به مسجد سيدي عقبة بن عامر بالقرافة قرب الإمام الشافعي.
سقى تربة فيها ضريح ابن عامر ... سحائب تروى لحده وتوارى
فتى كان من أعلى الصحابة همة ... وأكرمهم في عسره ويسـاره
أحاديثه عــــن سيد الخلق دونت ... وروى عنـــه مسلم وبخارى
ما جاء في كراماته رضي الله عنه:
جاء في كتاب (جوار الأخبار في دار القرار): أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: رأيت أبي في النوم فقلت ما فعل الله بك، قال غفر لي، ورحمني، فقلت له: ما فعل الله بعقبة قال: بخ بخ تركته في الفردوس الأعلى والملائكة تحفه.
وجاء في كتاب (مهذب الطالبين): روى بعض الأمراء أنه رأى في النوم من جاور عقبة فقيل له: ما فعل الله بك قال: غفر لي بمجاورة عقبة .
وقال ابن لهيعة في تاريخه لمن دفن بهذه الجبانة أنهم كانوا يسمعون تلاوة القرآن من قبره، وهو أفضل من في هذه الجبانة.
وما ذكرة الإمام محي الدين النووي أنه اتي من دمشق الي المدينة في سبعة أيام وعاد في يومين ونصف.
وروي له من البركات روايات كثيرة منها أن رجلًا أسر له ولد فأتى قبر عقبة ودعا الله عز وجل فقام وقد لقى ابنه في الطريق.
وكان الكثير من العلماء يحرصون أن يدفنون بجواره، حتى عرفت تلك المقبرة باسم مقبرة العظماء.
ومن كرامته أيضاً رضي الله عن قوة يقينة، وبصيرته، فقد ذكر الحافظ ابن عساكر في تاريخه عن محمد بن علي الوايلي أنه سمع جده يقول: أن رجلاً أتى إليه في المنام فقال اذهب إلى عقبة بن عامر صاحب رسول الله صلى الله علي وسلم فقل له انك من أهل النار، فكره أن يقول له ذلك، فقال ثلاث مرات أو أربع وقال في آخر ذلك لئن لم تفعل ما أقول لك فعلت بك شراً، فأتى الرجل عقبة بنا عامر فاخبره الخبر، فقال له عقبة: أخبرني ما قال لك، قال: قال لي قل لعقبة أنك من أهل النار، فوضع عقبة بن عامر كفيه على الأرض فقبض بكل كف قبضة من تراب ثم رمى بهما عن عاتقه إلى وراء ظهره، ثم قال كذب الشيطان، ثم قبض الثانية ثم رمى بها وراء ظهره وقال كذب الشيطان. فلما رقد الرجل جائه الذي كان يأتيه في كل ليلة في المنام، فقال له: هل قلت لعقبة ما أمرتك، فقال الرجل نعم، قال: فما قال لك، فاخبره فقال: صدق ما كان يرمي رمية إلا وقعت تلك الرمية في وجهي وعيني.
هناك فرق بين عقبة صاحب مصر وبين عقبة شهيد النهروان
ذكر خليفة بن خياط بتاريخه أن من أحداث سنة38هـ معركة النهروان وبها أستشهاد عدد من أصحاب الإمام علي، ومنهم: أبو نعيم عقبة بن عامر الجهني. وهذا إما غلط وسهو من خليفة "كما قال ابن عبد البر" أو أن عقبة شهيد النهروان هذا غير عقبة صاحب مصر وأن هناك فرق بينهما. ومن الواضح أن خليفة فرّق بينهما بدليل أنه ذكر ايضا في احداث سنة 58هـ وفاة عقبة بن عامر بن عبس الجهني "أي صاحب مصر" كما ذكر ابن حجر ذلك.
مسجده وضريحه المحفوف بالأنوار، المفاض عليه من الله أعظم البركات رضي الله عنه:
يقع مسجد الصحابي الجليل سيدنا عقبة بن عامر الجهني بشارع عقبة بن عامر خلف مسجد الإمام الليث بن سعد رضى الله عنه، وهو أول من دفن بقرافة المقطم. وعقبة بن عامر هو صحابي ومحدث وشاعر وهو آخر من جمع القرآن، تولى إمارة مصر لمدة سنتين وثلاثة أشهر إلى أن صرف عنها (667م) وتوفي سنة 678، وأول من حدث البناء عليه هو السلطان العادل الناصر صلاح الدين الأيوبي.
ومن اهتم بإنشاء هذا المسجد على ما هو عليه والي مصر الوزير محمد باشا السلحدار. وهو مسجد مستطيل الشكل، تشتمل واجهته الغربية على الباب العام وتقوم على يساره المنارة، ويشتمل المسجد على رواقين يتوسطهما صف من العقود المحمولة على عمد حجرية مثمنة وقد حلي سقفه بنقوش ملونة ومكتوب بإزار سقف الرواق الشرقي آبيات من قصيدة البردة، ويحيط بجدران المسجد مجموعة من الشبابيك الجصية المحلاة بالزجاج الملون. وبالقبة قبر عقبة وهي في الركن الغربي القبلي للمسجد، عليها مقصورة خشبية وهي منقوشة من الداخل، وتعتبر قبة سيدى عقبة من أجمل وأكبر القباب التي أنشئت في العصر العثمانى فهى مضلعة من الخارج أما رقبتها فقد كسيت ببلاطات القيشانى. والقبة منقوشة من الداخل برسوم زيتية، ومكتوب على الإزار الخشبي الذي يحيط بجدران المربع كأية الكرسى. وعلى القبر مقصورة خشبية وأمامه شاهد من الرخام نقش على أحد وجهيه آية الكرسى وعلى الوجه الآخر ما نصه:
" هذا مقام العارف بالله تعالى الشيخ عقبة بن عامر الجهنى الصحابى رضى الله عنه جدد هذا المكان المبارك الوزير محمد باشا سلحدار دام بقاه في سنة ست وستين وألف "
وفى داخل القبة يوجد قطعة من حجر أسود (لماع) ويقال أن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع قدمه عليها. كذلك أنشأ محمد باشا السلحدار بجوار جامع سيدي عقبة زاوية جعلها مكتبا لتعليم اليتامى القراءة والكتابة وحفظ القرآن. وتشتمل الزاوية على، محراب دائرى مبنى بالحجر (الفضى النحيت) الأحمر وعلى جانبيه شباكان من النحاس الأصفر. ويعلو المحراب نافذة. مستديرة مملوءة بالخشب الخرط الجميل كما أنشأ سبيلاً كسى أرضه بالرخام المتعدد الألوان. أما صهريج السبيل فيقوم على أربعة عقود ويتوسطه قبة وبيارة على فوهتها (خرزتان) تعلو أحدهما الأخرى العليا من الرخام والسفلى من الحجر وبجانب البيارة حاصل للماء يصل منه الماء إلى حوضى المزملتين، الكبرى منهما فرشت أرضيتها بالرخام الملون النفيس والأخرى يجرى اليها الماء في مجرى من الرصاص.
وقد علقت تلك الأبيات في مسجده كتبها محمد محمد بيومي:
بوركت يا مصر بالفتح المنشود ... بمقدم الإسلام والعز الممدود
ودخول أصحاب النبي المحبوب ... طه الأمين ذي القلب الودود
وذاك ابن عامر الراشد المرشود ... يعرفه كل تقي في عالم الشهود
قد بايع النبي في اليوم المسعود ... غداة ترحيب بالمدينة الطروب
واستقام أميناً يصون العهود ... مرضياً للإله الواحد المعبود
فهو من أهل الصفة الزهاد معدود ... بقرب وذكر وورع مشهود
ملازماً للرسول في كل وجود ... يقود ناقته في أسفاره وحروب
قد سقى من فيض المعين المورود ... فعاش موصولاً بعلام الغيوب
وقربه الصديق بوده المعهود ... فكان سنداً رادعاً لأهل الصدود
وائتمنه الفاروق على اللواء المعقود ...في دمشق بأبطاله وقادته الفهود
فقطع الفيافي كبرق مرهوب ... وأدهش بإعجاز أفاق الوجود
بركة الرسول لاحقة بالمحبوب ... كرامات وفيض ما له حدود
وأسند ابن العاص في الفتح الموعود ... لعقبة تحرير للقرى والدروب
فحطم الأعادي في العقبة الكود ... وأنقذ البلاد من ظلمات الحقود
تألق نجمه عالياً في صعود ... وولاه معاوية بمصرنا المحبوب
فأدي الأمانة حافظاً للعهود ... مراعياً للإله في حزم ودود
لكن الولاية هموم في كروب ... يخشاها كل تقي دائم السجود
فدعا الإله بقلب مرهوب ... سائلاً دفع أثقال الذنوب
فعزله معاوية في غفلة وصدود .. فحمد الإله على الإعفاء المرغوب
وظل لأهل مصر عزيزاً في القلوب ... كأنه ملاك مطهر من الغيوب
روى أحاديث عن سماع وشهود ... مرشد للخلائق بفقهه المعهود
ولاقى ربه شاكراً في سجود ... يرجوه الفردوس في صحبة المحمود
ولم يزل روضه بالكنانة للمنشود ... بقبول الدعوات ورفع كروب
يارب صلى على مهدي الوجود ... رسولنا المرقى بالحوض المورود
وآل وصحبه وأهل السجود ... ما سبح طير في رياض الورود
وصلى اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم
ورضي الله تبارك وتعالى عن سيدي عقبة بن عامر، ورضاه علينا، وجمعنا معه في جنة المأوى والشهود.
مراجع:
أسد الغابة
الإستيعاب _ ج3 _ ص1073
الإصابة، برقم (5605)
سير أعلام النبلاء _ ج2 _ (ترجمة رقم90)
الاعلام ، ج4ص240
النجوم الزاهرة
الخطط للمقريزي
مشاهير علماء الامصار _ برقم (378)
الثقات، برقم (909)
الإكمال لابن ماكولا
مرشد الزوار، ص131 و من144إلى147
أسد الغابة: 4 / 53
مسند أحمد: 4 / 201 143
التاريخ لابن معين: 409
طبقات ابن سعد: 4 / 343، 344
طبقات خليفة: 121، 292
تاريخ خليفة: 197، 225
التاريخ الكبير: 6 / 430
المعارف: 279
الجرح والتعديل: 6 / 313
المستدرك: 3 / 467
ابن عساكر: 11 / 348 / 1
تهذيب الكمال: 947
تاريخ الاسلام: 2 / 306
العبر ك 1 / 62
تهذيب التهذيب: 7 / 242 - 244
خلاصة تذهيب الكمال: 269
كنز العمال: 13 / 495
شذرات الذهب: 1 / 64.
دول الإسلام للذهبي 1: 29 والاصابة، ت 5603 وكشف النقاب - خ. وابن دقماق 4: 11 وابن إياس 1: 28 وفيه: " مات شهيدا ودفن بالقرافة الصغرى " وحلية الاولياء 2: 8 وجمهرة الأنساب 416 والمخطوطات المصورة، التاريخ 2: القسم الرابع 142.